النهضة الحزب الأغلبي في تونس الذي كثيرا ما تماهى بوحدته وديمقراطيته الداخلية يخرج أسراره الى العلن في مناسبات متلاحقة ولعل أبرزها عريضة المائة امضاء التي تعامل معها الاعلام بقراءات مختلفة حيث نصبت لها منابر تحليل وتمحيص وجعلت أنصار وحلفاء النهضة في حيرة من أمرهم
ما يصدم فعلا الرأي العام هو وحدة الحركة يوم محاولة سحب الثقة من رئيسها الذي يرأس بدوره مجلس النواب أين وقفت القيادات التاريخية والحالية والمنخرطون والمناصرون وكل من لا يحمل موقفا أيديولوجيا من النهضة احتراما لتجديد الثقة وحفاظا على مؤسسة الشعب التشريعية صاحبة السلطة الأصلية. لم يمرّ على هذا العهد سوى بضعة أسابيع فما الذي تغير حتى تتوتر الأجواء من جديد وهل يؤدي ذلك الى الانقسام والتشرذم كما يروّج له إعلاميا من كلا الطرفين؟
على خلاف المشهد الحزبي التونسي الذي تختصر صوره في رئيس الحزب أو العضو المشارك في التشكيلة الحكومية أو المناضل المعروف زمن الاستبداد فانّ النهضة يحكمها قانون داخلي يضبط الموازين بين التنفيذي والشوري ويحدد الفترات والآجال ويضبط لذلك نظاما لا لبس فيه. ولعل سلطة مؤتمرها الوطني التي تعتبر أعلى سلطة تجعل التقيد بهذا القانون المدقق أبرز معطى بين مؤتمرين اذ يحتكم الجميع قيادة مركزية وجهوية ومنخرطون الى هذا القانون الذي يتناغم في عدد لا بأس به من فصوله قوانين الدولة التونسية. ولعل تحديد فترتين متتاليتين للرئاسة أبرز مثال وهو الذي دعا لمثل هذا السجال
المائة امضاء وغيرهم مئات من القيادات الجهوية وآلاف من المنخرطين وعشرات الآلاف من القاعدة العريضة للنهضة ترغب في تجديد المشهد لأسباب متعددة أبرزها مواكبة فترة جديدة من الانتقال الديمقراطي والتفرغ للحزب الذي بات يحتاج تجديدا فعليا لهياكله يضمن له انتشارا أفقيا داخل المجتمع فهناك عديدون من يقاسمونه الحس السياسي دون غيره. ان رئاسة البرلمان لمهمة شاقة تتطلب تفرغا تاما لمثل هذا الدور في ظل تهديد فعلي بتجميع السلطات. الرأي المقابل يرى اليوم أن الحزب غير الدولة وأن الزعامة لا يفنيها الا الغياب ولعل الدور الكبير الذي لعبه رئيس الحركة طيلة سنين الثورة على الصعيد الوطني والدولي يجعل بقاءه على رأسها معية بمجلس النواب أساسي بل وضروري لحفظ جسم الحركة سليما
الحل في هذا وذاك وتوليف الحل لا يكون بالتعصب لشخص ولا ادعاء انتهاء الحزب في ظل تقرر تطبيق الفصل 31 المشار اليه أو عدم تطبيقه. فلا ينكر عاقل مكانة رئيس الحركة المفكر الكاتب المتحدث عن الحرية والديمقراطية في مجتمع عربي مسلم يحكمه عرف هجين بين التزمت والعلمنة. ولا ينكر الدور السياسي الذي لعبه رئيس الحركة لسنين في تثبيت توافق انطلق هشا ولكن سرعان ما صار مصدرا للاستقرار ومخرجا للتونسيين في كل معضلة سياسية تعترضهم
لكن المناشدة التي صارت منبوذة لدى التونسيين عموما ودون استثناء سواء في الماضي البعيد أو القريب أو حديثة العهد كالتي يحاول الطبوبي احياءها لا يمكن أن تكون الحل لحزب أغلبي بنيت مواقف التونسيين سلبا وايجابا على وجوده وتصدره الساحة السياسة
ابو مازن